للإعلان في نشرة الفنر الثقافية أضغط هنا
للمشاركة في نشرة الفنر الثقافية أضغط هنا
تاريخ جامع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بالمحرق
فضيلة الشيخ/ صلاح الجودر
كتبت/ فاطمة العالي
تتميز مملكة البحرين بتاريخ إسلامي ثري يتجلى بالعديد من المواقع والمعالم الإسلامية الأثرية المهمة. ويعد جامع الشيخ عيسى بن علي أحد أهم وأقدم الصروح التاريخية والمعالم الإسلامية في البحرين، ويقع في وسط العاصمة القديمة "المحرق" في أعلى هضبة من هضابها، وتحديدًا في فريج الشيوخ، ويحيط به العديد من المساجد القديمة مثل مسجد سيادي الأثري ومسجد عبد الله بن سلطان الجودر ومسجد الصاغة ومسجد بن شدة ومسجد الصادق.
وجاء ذكر مسجد الشيخ عيسى بن علي في كتاب العلامة محمد بن خليفة النبهاني "التحفة النبهانية" ضمن مجموعة من المساجد في العام 1890 م، حيث تم ذكر أن المحرق تحتضن اثنين وأربعين مسجداً وجامعين، وهما الجامع الشمالي والجامع الجنوبي، الجامع الشمالي هو جامع الشيخ عيسى بن علي، أما الجنوبي فهو جامع الشيخ حمد، وجامع الشيخ عيسى بن علي يقع بالجهة المقابلة لقصر الشيخ عيسى بن علي آل خليفة من جهة الجنوب الغربي. وتحدث عن ذلك البيت الرحالة أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب"، حيث مر الجامع بعدة مراحل للبناء. وشيد البناء الأول على يد الشيخ عيسى بن علي في العام 1892 وهذا التاريخ هو الذي شهد الصلاة في هذا الجامع.
خريطة نادرة للمحرق 1783-1910
ويعد وجود مسجد جامع لجميع أهالي المحرق بقراها ومدنها حدثًا تاريخيًا لأهالي المحرق. وكانوا يأتونه من شتى مناطق المحرق للصلاة يوم الجمعة، مثل الحد وعراد والحالات وقلالي والبسيتين والدير والسماهيج وحالة بو ماهر.
وفي السياق ذاته، بني جامع الشيخ عيسى بن علي على أثر مسجد قديم وهو مسجد الشيخ محمد بن جمعان، واستمر لأكثر من ستين عامًا والصلاة فيه قائمة، إلا أنه بعد ذلك تهدمت بعض أركانه وتصدعت، فأمر صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة بإعادة بناءه مرة ثانية، وذلك في فترة حكمه في العام 1955، وقام ببنائه الحاج يوسف محمد بوحيي على طرازه القديم، وهذا ما عرفت به البحرين بعمارتها الإسلامية المميزة، وكانت المساجد متشابهة آنذاك، لأنها توحي بالحقبة والتاريخ الخليفي في البحرين، وإلى يومنا هذا نجد الكثير من المساجد محافظة علي هذا الموروث، وعلى الهندسة الإسلامية في بناء المساجد.
وفي العام 1961 شهد تاريخ المساجد في البحرين حدثًا هامًا لايزال يذكره أهالي المحرق، حين تبرع يوسف بن أحمد الزياني وساهم في بوضع المراوح في المساجد، وذلك انطلاقاً من جامع الشيخ عيسى بن علي، فقد كان الناس آنذاك يستخدمون " المهفات " أو يستعينون بالجلوس بجانب النوافذ للتهوية.
وجاء بعد ذلك حدث آخر شهده جامع الشيخ عيسى بن علي ومازال أهالي المحرق يذكرونه، وهو تشييد المكيفات في الجامع، وكان ذلك مساهمة من أحد المتبرعين من دولة الكويت الشقيقة، بما عُرف من علاقة ودية أخوية متينة المستمرة من مئات السنين بين البحرين والكويت حكومة وشعبًا.
وفي مطلع الثمانينات قامت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقات بإعادة صيانة وترميم جامع الشيخ عيسى بن علي على الطراز القديم، حيث كلف عشرة آلاف دينار، مما يعد مبلغًا ضخمًا آنذاك، وجاء هذا القرار انطلاقًا من كونه صرحًا نورانيًا ثقافيًا اجتماعيًا مهمًا لأهالي البحرين كافة ولأهالي المحرق خاصة.
أما التطوير الأخير الذي شهده الجامع فهو أمر المغفور له بإذن الله الراحل سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بهدم الجامع مرة ثانية وإعادة بناءه على طريقى العمارة الإسلامية، حيث كلف قرابة المليون دينار.
واختلف الجامع اختلافًا كبيرًا في المساحة والمرافق، وصار يحتوي على حلقات لتحفيظ القرآن الكريم، وفصول لتدريس النساء، وصمم بجمال ورُقي يتناسب مع مكانة المصلين فيه، وقام بالإشراف على عملية البناء شركة المناعي.
ويقع جامع الشيخ عيسى بن علي يقع في السوق على شارع الشيخ عيسى وله منارتين طول كل منهما يصل إلى مائة وعشرون متراً، ومساحة المسجد حاليًا أكثر من ألفين متر، حيث يتسع إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة مصلي، مع وجود مكان خاص للنساء في الطابق العلوي.
من جانب آخر، أبرز الأسر التي كانت موجودة حول الجامع قبل أن ينتقل بعضها إلى المناطق المجاورة هم كلًا من العائلة الحاكمة بدءًا من بيت الشيخ عيسى بن علي والشيخ محمد بن عيسى، وعائلة الغاوي، وبيت سيف، بيت الغريب، بيت اللنقاوي، بيت المحميد، بيت المقهوي، وبيت المرشد، وبيت البن علي، وبيت سعيد، وبيت حساني، وبيت فليفل، وبيت نجم، وبيت البوسميط، وبيت القلداري، وبيت الخليل، وبيت الجامع، وبيت عبد الملك، وبيت سيادي، وبيت بن مطر، وبيت مال الله، وبيت الحمادي، وبيت الصاغة، وبيت بن نايم، وبيت الحياك، وبيت الماجد، والكثير من البيوت والعوائل الذين كانوا يعيشون في حالة تسامح وتعايش كأسرة واحدة مهما كانت الاختلافات الفكرية موجودة، فهم يعيشون حالة اجتماعية اخوية جميلة، الغني يعطف على الفقير، ويتكاتف الكبير مع الصغير، ويساندون بعضهم بعضاً، فالنسيج الاجتماعي كان نسيجاً واسعاً يجمعهم هذا الجامع الذي يضم كل أهالي المحرق وليس فقط أهالي المنطقة المحيطة به، وذلك ما تفتقده الكثير من الشعوب ولكن تتميز به المحرق.
أما أبرز الوظائف في المسجد فهي كلًا من إمام المسجد والمؤذن وكذلك الخطيب، ولكن بالدرجة الأولى هو إمام المسجد، ومن أبرز العوائل التي لها دور في المسجد منذ تأسيسه هي عائلة الجامع، حيث كان لها دور بارز في إمامة المسجد في فترات الشيخ عيسى بن علي وكذلك الشيخ حمد بن عيسي بن علي، ومن ضمنهم الشيخ عبد العزيز بن عيسى الجامع، والقاضي الشيخ عثمان الجامع، واولاد الشيخ عثمان الجامع، وهم الشيخ أحمد والشيخ عبد الله، الذين كانوا أئمة في الجامع، وكذلك الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عثمان، في ذلك الوقت لم يكن إمام راتب بالمعنى الحديث، بمعنى أنه لم يكن مسجلًا في إدارة الأوقاف السنية، ولكنه متعارف عند الأهالي ويتم تعيينه من قِبل الحاكم الشيخ عيسى بن علي، وبقيت عائلة الجامع لفترات طويلة في الجامع.
بعد ذلك جاء الشيخ عبدالوهاب بن ابراهيم بن عبدالملك، وهو من عائلة البن علي، والشيخ حافظ بن محمد البلوشي، وأخيرًا الشيخ يوسف بن عبد الرحمن الفقيه، وهناك مجموعة من المؤذنين من بينهم الشيخ عبدالله بن شمس والشيخ عبد الواحد، وحالياً الشيخ إبراهيم بن سعد المرشد، وتولوا مسؤولية كبيرة الأذان والمحافظة على المسجد ونظافته والمراوح والمكيفات ومتابعة كل ما يحتاجه المسجد، وهناك الخطباء ومن بينهم الشيخ سلطان بن محمد بن علي الجودر، ووالده الشيخ محمد بن علي الجودر الذي درس علي يده مجموعة من طلبة العلم ومن بينهم الشيخ محمد بن خليفة النبهاني صاحب كتاب التحفة النبهانية.
يشار إلى أنه من يقع عليه الاختيار ليكون خطيبًا لجامع الشيخ عيسى بن علي يكون كذلك خطيب لمصلى عيدي الفطر والأضحى، وبعد وفاة الشيخ سلطان في العام 1919 جاء بعده الشيخ عبد اللطيف بن علي الجودر وهو قاضي المحرق في محكمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وهي أول محكمة شرعية في البحرين أقيمت سنة ١٩٢٧، القاضي الشيخ عبداللطيف بن علي الجودر والقاضي الشيخ عبداللطيف بن محمود المحمود والقاضي الشيخ عبداللطيف بن محمد السعد، كانوا هم قضاة الشرع، وكانوا معاونين لقاضي البحرين الرئيس الشيخ قاسم بن مهزع.
بعد ذلك أتى الشيخ عبدالرحمن بن حسين الجودر وهو من أحد طلبة الشيخ عبد اللطيف بن علي الجودر، يليه الشيخ حسن بن عبد الله شويطر، ويُعرف بالفرضي وكان من كبار الفرضيين في البحرين وقضايا المواريث تُعرض عليه ليتم دراستها، وبعد ذلك جاء الشيخ راشد المريخي، وبعدهم الشيخ عبدالرحمن بن عبد السلام، والشيخ عدنان بن عبدالله القطان، والشيخ جاسم بن مطلق الذوادي، وأخيرًا الشيخ عادل بن عبد الرحمن المعاودة.
وهذا ما استيسر ذكره عن أهم الصروح التاريخية والإسلامية والثقافية في البحرين "جامع الشيخ عيسى بن علي” في المحرق القديمة، الذي تم ذكره في التحفة النبهانية وكتاب ملوك العرب، ويبقى التاريخ يتحدث عن نفسه من خلال الشواهد الموجودة.
0 تعليقات