مسيرة الشاعر إبراهيم الأنصاري

 

الشاعر إبراهيم عبدالكريم الأنصاري

طيبته تنثر شذاها في كل بقعة يكون فيها، شاعريته تحلق بك وتأخذك إلى مكان لا تتمنى أن ترجع منه ؛ لما يصور خياله في كل بيت من شعره تحفا فنية ومشاعر متدفقة، فنان يعرف كيف يجعلك تحترمه وتحبه من أول لقاء، ابتسامته تحتضنك بحب ودفء من السهل أن تدمع عيناه خاصة عندما تذكر اسم البحرين، فهذا الاسم له دلالات كبيرة في نفسه، ملهم استطاع أن يعلم الشعر كيف يتفنن في حب البحرين، عشق البحرين، شاعر أصيل أحب اللهجة العامية، فعانقته بحب وشكَّلا ثنائيا جميلا .. لا يعرف حتى هذه اللحظة من اكتشف الآخر، هل هو اكتشف أنه شاعر أم الشعر أدرك أنه مبدع فأتى إليه! فهو ليس بشاعر يضيء القلوب والنفوس فقط، بل أيضا تاجر سعى بتجارته في إنارة البيوت والدروب، فشعره وتجارته أشعلت فوانيس الفرح في كل مكان يتواجد فيه، فتابعوا سيرة الشاعر إبراهيم الأنصاري منذ ولادته وحتى أمنياته..

الـبـدايــة 

هو إبراهيم عبدالكريم الأنصاري، ولد في حالة بوماهر جنوب مدينة المحرق وبالتحديد العام 1951 لعائلة مترابطة بالحب والألفة، تذوَّق طعم اليتم مبكراً، إذ افتقد دفء حضن أمه التي رحلت عن عالمه وهو لم يكمل الرابعة من عمره، فتولت تربيته وعنايته أخته الكبرى (المرحومة حليمة) التي نذرت نفسها بعد وفاة زوجها أن تكون الأم والأخت له، وكان منذ طفولته محاطاً برعاية واهتمام أفراد عائلته وكيف لا، وهو آخر العنقود بعد إخوانه أحمد، عبدالجليل، عبدالله ويسبقهما ثلاث بنات. أما والده، فهو إنسان فاضل وعصامي، قارئ للقرآن كل يوم منذ نسمات الفجر وبصوت شجي، ليكمل يومه بسماع أصوات مشاهير المقرئين مثل عبدالباسط عبدالصمد، مصطفى إسماعيل ومحمد رفعت، فأثر هذا الجو الإيماني كثيراً عليه ومنحه الطمأنينة والحب والتسامح في تعاملاته الإنسانية والتجارية كذلك. 
في بداية حياته تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة عيسى بن عيسى الزياني، وأثناء الفترة الصيفية ينتظم عند المطوعة (لطيفة العلوي) لتعلمه قراءة القرآن الكريم، ثم انتظم في المرحلة الإعدادية بمدرسة عبدالرحمن الناصر، والتي كانت تسمى (بالمدرسة البحرية) لإحاطة البحر بها من الجهتين، بعدها انتقل إلى مدرسة الهداية الخليفية تخصص (أدبي) ليتخرج منها العام ,1969 في تلك الفترة كان الطموح والإصرار على العمل والنجاح هما القواسم المشتركة في دفع إبراهيم للعمل، فكانت أول محطة له في مجال الحياة كانت عند شركة عبدالرحمن الزياني التي عمل بها كمحاسب بعدها انتقل إلى شركة البحرين للملاحة (كرميكنزي)، ثم عمل في خدمات مطار البحرين، وفي بداية السبعينات أسس أخوه عبدالله (شركة الأنصاري للإنارة) لتجمع جميع الإخوان الذين أوكل لكل منهما مهمة عمل ومسؤوليات استطاعوا أن يؤسسوا أحد أكبر الشركات المتخصصة في الإنارة في البحرين، وأثناء عمله في هذه الشركة العائلية استطاع إبراهيم أن يتقن العمل ويتعلم الكثير من المهارات والأسس التي أهلته أن يؤسس شركة خاصة به العام 1976 تحت اسم (أضواء الأنصاري) التي توسعت بفضل السياسة الإدارية المتميزة التي يدير بها إبراهيم شركته، والتي ستتحول قريباً إلى شركة مقفلة ذات مسؤولية محدودة. 

في كل زاوية إبداع ..

منذ صغره وإبراهيم حالم في كل شيء جميل ومميز، اختلف عن أصدقائه أنه لا يحب كرة القدم ولا يستمتع بها، لهذا كان يعيش أغلب أوقات يتأمل في البحر ويتقاسم معه الخواطر، ولعل أجمل اللحظات تلك عندما يكون البحر في حالة المد، فيبوح له بأسراره وخواطره ولا يتركه حتى تأتي لحظة الجزر ليطمئن أن ما أباح به من مشاعر أخذتها الأمواج في مأمن لمكان بعيد .. المكان الذي ترعرع فيه وعاش طفولته وصباه أثر كثيرا على إبداعاته وحبه للفن والذوق، فأينما حلَّ بصره وجد فنا وإبداعا، فبيت محمد زويد على شماله، ودار جناع جنوبه، وعلى شرقه بيت راشد زويد الذي يسمعه كل يوم يدندن على العود، وفي جهة الغرب البحر الذي كان له رائحة تطبع في النفس والروح، فتشكل بهجة النفس وسعادتها.
في صغره انضم لنادي الحالة الذي كان يشكل في ذلك الوقت متنفسا فنيا وثقافيا وأدبيا من خلال البرامج التي يقدمها، فمثَّل وغنَّى وشارك مع زملائه بمختلف الأنشطة الفنية، كذلك ساهمت مشاركته في نادي الجزيرة بأن فتحت له آفاقا جديدة في الاطلاع والمعرفة والثقافة، إلا أن حرصه على تواجده الدائم في مكتبة زوج أخته (فؤاد عبيد) وعمله معه أثناء الإجازة الصيفية، كان له بالغ الأثر في إثراء فكره وخياله وذلك من خلال اطلاعه على دواوين الشعر والروايات والقصص والمجلات المختلفة، والتقائه بالعديد من الشعراء والمثقفين الذين كانوا يتواجدون في المكتبة.. ورغم عمره في ذلك الوقت، فلم يتجاوز 12 عاماً إلا أنه كان شغوفاً بالقراءة والمطالعة في المجالات كافة، مما أهله كل ذلك أن يكون لنفسه ذائقة فنية مختلفة، ومقدرة على التعبير وانطلاق الخيال لديه، برز ذلك في مادة (الإنشاء) التي يعشقها، وهو يلمس كيف الأفكار تتدفق في كل موضوع يطلب منه، فبدأت تتحول تلك الكلمات الإنشائية إلى أبيات شعرية بدأ يصوغها بكتابة الشعر العمودي دون أن يدرك أن الذي يبوح به هو شعر!! 

علاقتـه بالشعـر

بدأت هذه الموهبة تنضج، وأصبح إبراهيم لا ينطق إلا شعراً، ولعل العلاقة التي تربطه بالفنان راشد زويد منذ الطفولة منحت له الفرصة أن يتسامر معه بلعبة تركيب الكلمات على الأغاني خاصة عندما يجتمعون على شاطئ البحر .. راشد مع عوده يدندن وإبراهيم يصوغ كلمات، فتكون المحصلة أغنية يعيشها الاثنان كلاماً ولحناً. وفي المرحلة الثانوية بدأت هذه الموهبة تأخذ الاتجاه الصحيح وبدأت التجربة تنضج أكثر خاصة بعدما حظي بدعم واهتمام من قبل الأستاذ الشاعر على عبدالله خليفة الذي كان له خير موجه منذ البداية، فساهم هذا الاهتمام في أن ينطلق إبراهيم في ساحة النشر ويبدأ في إرسال قصائده ومشاعره لمجلة (المجتمع الجديد)، وبدأ ينشر في (جريدة الأضواء)، كما كان يكتب القصص القصيرة وينشرها في (صدى الأسبوع)، وبدأ يشارك في البرنامج الإذاعي (ظمأ الأوتار) الذي كان يعده ويقدمه الشاعر علي عبدالله خليفة، وكان ينتابه شعور غريب عندما يستمع إلى قصائده، وهي تُلقى عبر أثير الإذاعة.
ولعل إبراهيم مازال يتذكر أول قصيدة كتبها، وهي بالفصيحة:
حينما ألقاك يحلو شوقي المؤرق
ينام قلبي المحرق
فأغوص في مدى عينيك ولا أغرق. 

قصة أول أغنية

في بداية السبعينات تعرف إبراهيم على المرحوم الملحن عيسى جاسم، وبدأت هذه العلاقة تكبر حتى عرض ذات يوم عليه بعض المحاولات الشعرية، منها قصيدة: 
لا تحاول شمس تطلع في حياتي من جديد
لا تصـدق أمـس يرجع خلني ياخاين بعيد
وقد أعجب بها المرحوم عيسى جاسم الذي أصاغ لها لحنا ليصدح بها الفنان عبدالصمد أمين، ولم يكن إبراهيم يدرك في ذلك الوقت أن هذا الكلام ممكن أن يتغنى وتصاغ لها ألحان، حتى تم عرض هذه الكلمات على الشاعر الأستاذ حسن كمال الذي أعجب بسلاسة الأسلوب والأفكار التي تحتويها كلمات إبراهيم، وأثنى عليه وشجعه. ويعتبر الأستاذ حسن كما يصفه الأنصاري أنه الأب الروحي له، والذي كان له فضل كبير ودور بارز في مسيرتي الشعرية، وسجلت الأغنية العام ,1970 ومنها برز اسم إبراهيم الأنصاري كشاعر غنائي.
وفي أثناء هذه الفترة اتصل به الأستاذ إبراهيم مصطفى (منسق ومشرف المكتبة في إذاعة البحرين آنذاك) يطلب منه إعداد قصيدة وطنية ليتغنى بها الفنان ارحمة الذوادي عن الاستقلال، ففاضت قريحته وهو ينظم: 
يا أرض الخير يا أرض النور
يا أرض الشمس والآمال
خلنا نسير على الدستور
عقب مانلنا الاستقلال.
يا أرض الخير اول اغنية وطنية غنيت للشاعر إبراهيم الأنصاري في عام ١٩٧٢
وبعدها توالت الأعمال الفنية المختلفة التي قدمها إبراهيم للساحة الفنية، ولعل العلاقة الحميمة التي تجمعه بأصدقاء الدرب والطفولة مثل الفنانين يعقوب بومطيع وجعفر حبيب وعبدالله بوقيس، والملحن الفنان مبارك نجم ساهمت في تقارب الأفكار بينهم، وقدموا مجموعة من أجمل الأعمال الغنائية الناجحة، والتي مازالت تتردد حتى الآن. 

نشاطه الفني 

خلال مشواره في كتابة الأغنية تعاون الشاعر إبراهيم الأنصاري مع العديد من الأسماء الفنية المتميزة في الساحة، فمن أبرز من تعاون معهم الفنانين أحمد الجميري، محمد علي عبدالله، عبدالله بوقيس، يعقوب بومطيع، عبدالصمد أمين، ارحمة الذوادي، جعفر حبيب، يوسف هادي، عبدالله السيد، محمد حسن، محمد عبدالرحيم، حسام أحمد، يوسف زويد، كما لحن كلماته العديد من الفنانين منهم: إبراهيم حبيب، مبارك نجم، عيسى جاسم، أحمد سيف، حسن عرَّاد وغيرهم، ويمتلك إبراهيم رصيداً فنياً كبيرا، حيث تجاوزت أعماله الغنائية بين العاطفية والوطنية أكثر من 90 أغنية وقصيدة، وقد صدر له ديوان لأشعاره العامية بعنوان (في انتظار المد)، كذلك له العديد من الأمسيات الشعرية، كما أنه عضو بمجلس إدارة جمعية الشعر الشعبي، وحريص على التواجد في أغلب الفعاليات الشعرية والثقافية. 

مفهومه للأغنية الوطنية

أصبح الوطن يمثل مصدر إلهام للشاعر إبراهيم الأنصاري، فقدم الكثير من الأغاني الوطنية الصادقة المتميزة، إذ يعرِّف إبراهيم الأغنية الوطنية أنها أغنية الحب والأرض، الأغنية التي تعبر عن الأحاسيس والمشاعر تجاه كل بقعة من هذه الأرض الغالية، وتبين مدى التصاق الإنسان البحريني بأرضه وتراثه وتاريخه، ولا يستطيع أن يتمالك دموعه عندما يصل إلى البحرين بعد رحلة عمل أو سياحة خارجية؛ لإحساسه أن الروح تنتزع منه وهو بعيد عن هذه الأرض التي تغزل بها في العديد من الأغاني الوطنية الصادقة، ولا يشعر بالأمن والطمأنينة إلا في حضن البحرين. 

الأنصاري والفضاء الإعلامي ..
لم يقتصر إبداع إبراهيم على الشعر فقط، بل قام بإعداد وتقديم عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية ذات الطابع الإعلامي والأسلوب السهل الذي يصل إلى القلب، فقد قدَّم العام 1984 برنامجا اجتماعيا بعنوان (مع الناس)، كما أعد وقدَّم العام 2008 برنامج (تلك الأيام)، وآخر إنتاجه الإعلامي برنامج (إضاءات من الوطن) من إعداده وتقديم الأستاذ حسن كمال. 

عائلتي سر نجاحي!

كما هي علاقته وثيقة بالشعر والفضاء الإعلامي وناجحة في التجارة والعلاقات الإنسانية، فإن علاقته بأسرته ومحيطه العائلي أكثر من رائعة ومتميزة، والنجاح الذي حققه في المجالات والميادين كافة يدين لأسرته المتحابة هذا النجاح وهذه المكانة التي نالها، فعلاقة الحب بينه وبين أبنائه تتجدد كل يوم، والود والتقدير الذي يكنه لزوجته (أم عبدالكريم) تكبر في كل لحظة بينهما، وهذا هو السر الذي يكشفه إبراهيم بأن السعادة التي يعيشها في حياته الأسرية تجعله مبتسماً دائماً ومتصالحاً مع نفسه والآخرين.

الفنان احمد الصايغ

شكر وعرفان

يتقدم رئيس تحرير نشرة الفنر الثقافية الإلكترونية بجزيل الشكر وعظيم الامتنان الى الفنان المسرحي القدير أحمد الصايغ على تعاونه الكريم في إخراج قصائد ديوان تلايا الليل بنظام الفيديو كليب ، هذا التعاون الذي ساهم في تجسيد هذه القصائد بصورةٍ فنيةٍ معبرةٍ وناجحة.
نكرر شكرنا الجزيل آملين في مزيدٍ من التعاون والتقدم والنجاح .
الدكتور خالد بومطيع

إرسال تعليق

0 تعليقات