وثائقي رحلة الغوص

 

للإعلان في نشرة الفنر الثقافية أضغط هنا
للمشاركة في نشرة الفنر الثقافية أضغط هنا

هذا الموضوع برعاية مطعم البوارح للأكلات البحرية

من كتاب مما رأيت – الجزء الرابع 

للرحالة الدكتور فهد إبراهيم الشهابي

:لطلب الكتاب يمكنكم التواصل على +97333191975

رحلة الغوص


كتبت/ فاطمة العالي
الشمس فوق السور تشرق مثل قنديل كبير
 تهدي خطانا مثلما كنا على ضوء النجوم
في الليل تسري عبرها تلك البحار
ايام كنت أعيش في الاعماق..
أبحث عن محار
 لقلادةٍ.. لسوار حسناء أثرية
 في الهند.. في باريس.. في الارض القصية
أيام كنت بلا مدينة
 بلا يدٍ تحنو عليّ ولا خدينة
أنواع السفن
تمثل صناعة السفن إحدى الحرف التراثية العريقة في البحرين، ذات الماضي الموغل في القدم، حيث هيأ لها موقعها الجغرافي المتميز أن تكون مركزاً تجارياً هاماً، يرى المؤرخون أن تبوأ البحرين مركز الصدارة في صناعة اللؤلؤ في الخليج العربي وعلاقتها بالهند لعب دوراً هاماً في وضع أسس هذه الصناعة المتجذرة في التاريخ، يؤكد المؤرخون بإن سفن البحرين كانت متشابهة وان تباينت من حيث أحجامها وأجزاءها المختلفة، يذكر النبهاني في تحفته أن أنواع السفن الموجودة قبل القرن الحالي كانت تشمل البغلة والبوم والبقارة غير أن السنبوب والجلبوت هما أهم طرازين أُستخدما في بداية القرن العشرين، لقد تنوعت السفن البحرينية وتعددت مسمياتها الشوعي والبانوش والفطية والدنقية والبلم والبوري والبتيل والزاروقي والهوري وغيرها.
كان أهالي البحرين يستخدمون الحبال في بناء السفينة قبل أن يتم صنع المسمار الحديدي، فقد كانوا يجهزون الألواح التي يحتاجونها حتى تلائم هيكل السفينة، ثم يخيطونها بإبرة ضخمة وحبل متين يتخذونه كأداة لشد الألواح ببعضها البعض.
رغم تلك الطريقة البدائية الا إن السفن كانت قادرة على تحمل الرياح العاتية، التي كانت تهب على الخليج العربي والمحيط الهندي.
صناعة السفن
تركزت صناعة السفن في مدينتي المحرق والمنامة اللتين كان يوجد فيهما أكثر من حوض، أو مجدف بحري كما يطلق عليه محلياً، حيث كانت تصنع السفن اضافةً إلى النعيم ورأس رمان، كانت صناعة السفن في المحرق تتركز أساساً في المنطقة الساحلية المقابلة للمدينة.
حيث كان يقوم على تلك الصناعة المتميزة، عمال مهرة ويُطلق عليهم ” القلاليف“ فقد كانوا يتقنون هذه المهنة أيما إتقان، تقوم هذه الصناعة على الاخشاب المستوردة من الهند، وهي ألواح خاصة من خشب الساج و الصنوبر المقاوم للرطوبة، اضافة إلى نوع خاص من فتيل القطن والمسامير وبعض الزيوت كالصل المستخرج من جوف أسماك الدلافين الكبيرة لتكون بمثابة عازل يمنع تسرب الماء للسفينة، يتم بناء الهيكل الرئيسي للسفينة بتثبيت البيس وهو العمود الفقري الذي يحفظ للسفينة توازنها قبل أن تثبت عليه الاضلاع التي تسمى ”شلامين“، بعد الانتهاء من صناعة الهيكل يبدأ القلافون في تثبيت الألواح الخارجية بمسامير ذات أطوال مناسبة، بعد ذلك يتم تركيب الفنة وهي السطح العلوي للسفينة ويبدأ من المقدمة الميل إلى التفر وهي مؤخرة السفينة، ثم يتم تركيب الصاري الذي يسمى الدقل لتثبيت الشراع عليه وطيه ورفعه عند الحاجة، عندما ينتهي القلافون من بناء السفينة يتم انزالها إلى البحر، حيث يعلم الجميع بموعد الإنزال، ففي يوم جميل ومشهود لأهل المنطقة تسحب السفينة الجديدة على ألواحٍ خشبيةٍ دائرية مع ترديد أغاني البحر العريقة، مثل اليامال والهولو في الوقت الذي يتم فيه أيضاً تقديم أضحيةٍ بهذه المناسبة السعيدة، وعلى أصوات اليامال العريقة المتميزة، في اليوم الموعود، يركب القلافون والمالك السفينة فيما يتولى خاصتهم تثبيت الأدوات على جانبي السفينة، قبل جرها إلى البحر في رحلة قصيرة لتدشينها، وإبداء الملاحظات حول مدى جودة ادائها، تتفاوت اسعار السفن حسب نوعها وحجمها، فكلما كبر حجمها أرتفع سعرها.
سفن تشتهر بها البحرين
اشتهر أهل البحرين بأنواع عديدة من السفن التي اندثرت صناعتها تقريباً، مثل البلم والهوري وهما من الانواع التي كان يستخدمها صيادو الأسماك، وكثيراً ما كانت توضع في السفن الكبيرة، تتشابه السفينات المانشوة والجالبوت إلى حدٍ كبير، حتى ان المرء يجد صعوبة في التمييز بينهما، اما البتيل فقد كان متميز الشكل كبير الحجم، ويُستخدم في أغراض الغوص، إذ اعتاد العمال في الخليج استخدام هذا النوع حتى بداية العشرينيات من القرن الماضي، لما يمتاز به من سرعة، كان البتيل يُستخدم خاصةً في جلب البضائع والركاب في الرحلات البعيدة، أما الزاروقة فهو كان صغير جداً، وقد توقفت صناعته منذ نهاية القرن التاسع عشر  ولم يبقى في البحرين أي أثرٍ لهذا النوع من السفن حسبما ذكره المؤرخون.
”التسقام والخرجية“
يقوم النوخذة بإقراض بحارته مبالغاً من المال قبل دخول الغوص وبعده، وذلك على ذمة ما قد تحصل عليه البحارة من إيراد خلال فترة الغوص القادم، حيث يتم استقطاع تلك السلفيات أو بعضها من إيراد البحارة أو نصيبها، كان النوخذة يدفع أيضاً مبلغاً من المال للبحارة يسمى التسقام بعد انتهاء فترة الغوص، وذلك لتغطية مصروفاتهم وعائلاتهم خلال الشتاء وهي فترة البطالة، كما يدفع مبلغاً آخر يسمى السلف قبل ركبة الغوص حتى يقوم البحارة بشراء احتياجات أسرهم في الفترة التي سيغيبون فيها عنهم، كما يدفع النوخذة للبحارة مبلغاً صغيراً يسمى خرجية عند عودة السفينة إلى الوطن، وهي فترة قصيرة لا تتجاوز السبعة أيام تُعرف بالصيفية، ويتم تسجيل تلك المبالغ المدفوعة سلفاً للبحارة في دفاتر وسجلات النوخذة.
طقوس الرحلة
تبدأ الرحلة باستلام النوخذة زمام القيادة، كما يتم تحميل الزاد على ظهر السفينة، ويتمثل عدداً في أكياس الأرز وكمية كبيرة من التمر والدبس والمياه الصالحة للشرب، تسحب المرساة إيذاناً بالابحار إلى المغاصاة وتبدأ البريخة وهي عملية جر حبل المرساة لرفعها إلى السفينة وبما ان المرساة قريبة من الشاطئ فإن الحبل الذي تُربط به يكون قصيراً، فلذلك سميت البريخة، عند وصول المرساة إلى صدر السفينة، يؤمر النوخذة بإدارة السفينة بالتوجه إلى المغاصاة قائلاً دوّر، يتوجه البحارة بعد صدور أمر النوخذة إلى المجاديف لإدارة السفينة بالهوسة الجماعية ” هويا يا هويا او هايا، إلى أن تستدير السفينة في الاتجاه المطلوب حيث يبدأ النهام بالنهمة تُغنى الخطفة بمصاحبة الطبل والطويسات والهمهمة ولا يتم التصفيق عليها الا بعد وصول الشراع إلى آخر الدقل.
أصول الغوص
تسير السفينة متجهة إلى المغاصاة الهيرات حتى يؤمر النوخذة، البلاد بإنزال البلد لقياس عمق البحر ومعرفة طينة الأرض، وفي العمق المناسب يؤمر النوخذة البحارة بإنزال الشراع لمواصلة الغوص، بعد إنزال الشراع تجدف المجموعة للاقتراب من المغاص، حتى يؤمر النوخذة بمواصلة الغوص، ويعمل كل غيص وسيب بجانب أحد المجاديف الموجودة على جانبي السفينة، وبعدما يحدد أصحاب الخبرة مكان محار، يتهيأ أصحاب المغامرة إلى الغوص وقطف اللآلئ، ويستعد الغيص بعدته فيضع الفطام لمنع تسرب الماء إلى أنفه ويأخذ نفساً عميقاً وينزل إلى البحر، وبرجله حبلان معلقان، أحدهما يسمى زيبل وهو حبل مربوط إلى قطعة من الرصاص الثقيل تساعده في سرعة الإنزال وتسمى ” الحير ” أو ” الحجر ”، فإذا وصل الغيص إلى القاع أفلت الحجر من رجله فيقوم السيب من على ظهر السفينة بسحبها وتعليقها على المجداف لتستخدم في الغطسة التالية، وتسمى بالعامية التبة، أما الحبل الثاني فيطلق عليه ” ليد“ وهو حبل يمثل أداة النجاة بالنسبة للغيص، ويبلغ طوله حوالي ثمانين متراً، ويربط في رأسه ”الديين“ وهو الوعاء الذي يجمع فيه الغيص ما يحصل عليه من المحار، وهو مصنوع من الحبال أو الخيوط القوية، ويقوم الغيص بتعليقه إلى رقبته عند وصوله إلى قاع البحر، ويبدأ بجمع المحار الذي يتحصل عليه ويضعه في ذلك الديين.
”بدلة“ الغوص
ينزل الغيص إلى الماء وهو مرتدياً الكشكول وهو عبارة عن سروال قصير، أو متدثراً بإزار إذا كان البحر خالياً من الدول، وهو من آفات البحر الذي يحتك بجسم الغواص ويسبب له التهابات مؤلمة، أما اذا كانت هذه الآفة منتشرة  في البحر، فإن الغاصة يقومون بإرتداء ألبسة خاصة تُسمى البدلة، تغطي الجسم كافة فلا تظهر الا الوجه فقط، وهذه الألبسة تقيهم شر الالتهابات التي يحدثها الدول بأجسامهم، كذلك الخبط الذي يضعه الغاصة في أصابع أيديهم، حتى لا تتأذى عند اقتطاع المحار من بين أحجار الاعماق.

إشارة متفق عليها
إذا أحس الغيص بقرب انتهاء نفسه، يقوم بشد حبل ليد بأصابع رجله بقوة، وهي إشارة متفق عليها، ليقوم السيب من على ظهر السفينة بسحب ليد بأقصى سرعة حتى يطفو الغيص على وجه الماء، وفي اللحظة التي يعطي فيها الغيص الاشارة بسحب الحبل، يقوم بخلع الديين من رقبته ورفعه بإحدى يديه إلى الأعلى، بينما تكون يده الأخرى إلى جانبه، في وضع يساعد السيب على شده، وعندما يطفو الغيص على سطح الماء يسلم الديين إلى السيب ليقوم بإفراغه على ظهر السفينة واعادته له ريثما يستريح ويستعد للغطسة التالية أي التبة الثانية.
من شروق الشمس حتى الغروب
يبدأ النهام بصوته معلناً انتهاء الغوص في المغاص فتسحب المرساة مرة أخرى إيذاناً بانتقالهم إلى هير آخر، بحثاً عن أصداف اللؤلؤ في أعماق البحر، ثم يبدأ البحارة بالتوجه إلى المجاديف لتحريك السفينة إلى المغاص الآخر، وهكذا يتواصل العمل من شروق الشمس حتى الغروب، ويكون الليل استراحةً لكل البحارة بعد أن يتناولوا عشائهم المكون من الارز المطبوخ بالدبس ”عسل التمر“ ويسمى هذا النوع من الأرز بالعامية ” المحمر ”، كما يأكلون السمك عند توفره.
فحص اللآلئ
عندما يتجمع المحار على ظهر السفينة يقوم البحارة في اليوم التالي بفتحه وفحصه واستخراج ما به من لآلئ، ويشترك في ذلك ثلاثة أنواع من البحارة وهم السيوب والغاصة والرضايف، حيث تتحلق كل مجموعة من أولئك البحارة حول كومة من المحار، يقوم البحارة باستخدام المفلكة وهي تشبه السكين، لفتح المحار، مراقبين من أحد البحارة الذي يقوم بدوره باستلام اللؤلؤ وتسليمه إلى النوخذة، يتفحص النوخذة انتاج اليوم استعداداً لزيارة الطواويش، يتابع الطواشون أخبار سفن الغوص ويجوبون البحر بحثاً عنها، حيث يقومون بزيارات إلى النوخذة الموجود في كل سفينة ليقومون بعرض ما تم جمعه من اللؤلؤ ثم يقوم الطواش بدوره بتفحص اللآلئ وتحديد سعرها حسب نوعها وحجمها.
طقوس الاستقبال
يدوم موسم الغوص أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم يأتي القفال فيتأهب البحارة كما يستعد أهل المدينة للاستقبال، الكل ينتظر ويراقب البحر، لعله يرى الأعلام، فيقدم بدوره تلك البشارة، ولكن قد تتأخر السفن بضعة أيام فيكون هذا التأخير بالنسبة للنساء الوقت العصي فتراهن يذهبن إلى شواطئ البحر في شبه مظاهرةٍ نسائية، ويقدمن الطقوس لعل أهلهن يرجعون سالمين، لذلك فهي تقوم بعدة طقوس تخاطب فيها البحر، ومنها ضرب البحر بسعف النخيل، تصل بشائر السفن ويعم الفرح وتخرج الأسر لاستقبال من يعيلها من البحارة بالزغاريد، حتى وصولهم إلى الشاطئ، كانت هذه المظاهر المرافقة للقفال شائعة في كل دول الخليج العربي، ترسو السفن بعيداً عن الشاطئ لينزل منها البحارة في قوارب صغيرة توصلهم إلى الشاطئ، ليتلقفهم الأهل والأحبة. 

استلام الإيرادات
يجتمع البحارة في بيت النوخذة بعد انتهاء القفال كي يوزع عليهم حصصهم من المال بعد أن يخصم عليهم الدسقام والخرجية استيفاءاً للدين الذي اعطاهم إياه قبل دخولهم البحر.

إرسال تعليق

0 تعليقات